لا شك أن القنبلة التي فجرها الملك بإعلانه عن سحب المغرب لجميع تحفظاته السابقة من الاتفاقية الدولية لمحاربة التمييز بين الجنسين ، ستجعل الإسلاميين السياسيين المغاربة في موقع حرج جدا ، وعلى رأسهم إسلاميو حزب العدالة والتنمية ، الذين سيكونون أكبر المصابين بشظايا هذه القنبلة بدون منازع .
فهذه المرة لم تأت المبادرة من أحد اليساريين كما حدث عندما "اخترع" سعيد السعدي خطة إدماج المرأة في التنمية في أواخر التسعينات من القرن الماضي ، وإنما جاءت من طرف الملك شخصيا ، الذي هو في نفس الآن أمير للمؤمنين ، ما يعني أن مهمة حزب "العدالة والتمنية" الذي يتطلع للدخول إلى الحكومة لن تكون سهلة للخروج من هذه الوحلة الشتوية غير المتوقعة . تفضل يا سيد بنكيران ، ها واحد اللغم شوف كي تدير ليه .
ورغم أننا لم نسمع لحد الآن أي رد رسمي لحزب "العدالة والتنمية" ، إلا أن ما قاله محمد الحمدواي ، الذي يرأس حركة "التوحيد والإصلاح" التي تعتبر المشتل الذي تنبت فيه أفكار الحزب الإسلامي ، يوضح بشكل حاسم أن رفاق بنكيران لم ولن يصفقوا للمغرب على سحب تحفظاته . الحمداوي قال في تصريح سابق لصحيفة "المساء" بأن "المرجعية الإسلامية لا تعلو عليها مرجعية أخرى" ، وهو ما ذهب إليه مصطفى الرميد بدوره .
ولكن ما الذي يجعل الإسلاميين أصلا يرفضون سحب هذه التحفظات ويطالبون بإبقائها ؟
السبب هو أن سحب هذه التحفظات يعني حسب ما صرحت به خديجة الرياضي رئيسة الجمعية المغربية لحقوق الإنسان ، أن المرأة المغربية لن يبقى بينها وبين الرجل المغربي أي فرق في الحقوق والواجبات ، وستكون لديها الأهلية القانونية كي تتصرف في حياتها الشخصية كالرجل تماما . مثلا ؟ يمكنها أن تتزوج برجل من ديانة أخرى غير الديانة الإسلامية ، دون أن يكون هذا الرجل مجبرا على إشهار إسلامه مثلما هو عليه الحال الآن . وستنمحي الفوارق بينهما في ما يتعلق بالإرث ، يعني ما كاين غير النصف بالنصف .
وماذا أيضا ؟ إذا كانت المرأة لا تستطيع أن تتزوج برجلين اثنين أو ثلاثة أو أربعة في آن واحد ، فالرجل المغربي أيضا سيكون بدوره ممنوعا من الجمع بين زوجتين أو اثنتين أو ثلاث أو أربع . بمعنى أن تعدد الزوجات سيلغى بصفة نهائية . كاع !
ويبقى الخطير في هذا الموضوع ، هو أن المغرب إذا قرر أن يسحب هذه التحفظات التي تشمل البنود 9 ، 15 ، 16 ، و 20 بصفة نهائية ، سيكون عليه أن يلتزم بتطبيق هذا القرار على أرض الواقع بحذافيره ، وإلا فبإمكان أي دولة اجنبية من الموقعين على الاتفاقية الدولية لمحاربة التمييز بين الجنسين متابعة الدولة المغربية قضائيا إذا ما حدث أي خلاف حول تفسير أو تطبيق بنود هذه الاتفاقية . وأين ستتم هذه المتابعة ؟ أمام محكمة العدل الدولية من فضلكم ! هادشي كايخلع .
لذلك فلو سحب المغرب هذه التحفظات بصفة نهائية ، وتولى حزب "العدالة والتنمية" قيادة الحكومة بعد الانتخابات التشريعية لسنة 2012 ، وهذا أمر غير مستبعد ، سيجد رفاق بنكيران أنفسهم في موقف لا يحسدون عليه ، فإما أن يسايروا الاتفاقية ومن تم يجدون أنفسهم في تعارض تام مع مبادئ الشريعة الإسلامية التي يستمدون منها القوانين التي يسير وفقها حزبهم ، وإما أن يخالفوا بنود الاتفاقية الدولية ، وهكذا سيجرون المغرب للمثول أمام محكمة العدل الدولية . اللي داروها وحلة .
لحسن الحظ فقط أن القضية ما زالت فالطاكية ، بمعنى أنها ما زالت غير واضحة بما فيه الكفاية ، ويلفها الغموض من كل جهة ، وهذا يعني أنها قابلة لجميع الاحتمالات . الحقوقيون يقولون بأن على المغرب أن يسرع إلى القيام بإدراج هذه الخطوة في الدستور ، حتى تكون هناك مساواة على أرض الواقع ، والمجلس العلمي الأعلى يقول بأن "قرار المغرب لا يجب أن يثير لدى المجتمع أي تساؤل حول تمسك المغرب بثقافته الدينية وأحكام الشرع الواردة في القرآن الكريم ، والتي لا مجال للاجتهاد فيها مثل أحكام الإرث وغيرها من الأحكام القطعية" . أين هي الحقيقة إذن ؟ عند عالم الغيب والمطلعين على الملف بطبيعة الحال .
لكن الذي يثير الاستغراب هو أن الشعب المغربي المعني أولا وأخيرا بهذا الأمر حتى واحد ما مسوق ليه . حتى أنني أتساءل إن كان ما يقوم به المغرب في مجال حقوق الإنسان موجه إلى المغاربة أم إلى الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية .
ففي البلدان الديمقراطية الحقيقية عندما يكون هناك خلاف بين الأطراف التي تلعب على الساحة السياسية يتم اللجوء في الغالب إلى الشعب من أجل حسم الخلاف . واللي كالها الشعب هي اللي تكون .
نحن في المغرب لا أحد يفكر في استشارة الشعب ، وكأن هذا الشعب مجرد قطيع من الدواب يمكن توجيهه حيثما اتفق ، من دون أن يبدي أي معارضة .
وفي انتظار أن يهدي الله الحاكمين كي يستشيروا معنا في شؤوننا الصغيرة والكبيرة ، ما هو رأيكم أنتم أيها القراء حول سحب المغرب لتحفظاته حول التمييز بين الجنسين ؟
يعني هل أنت مع أم ضد سحب هذه التحفظات ؟ إيه ولا لا ؟
22h00:21/12/08