أصبحت قضية انقطاعات الانترنت المتجددة بين حين وآخر والتي تتسبب بها بواخر وسفن في المحيطات تشغل العديد من مدمني الانترنت ومستخدميه.. تاريخ الكابلات يمتد لسنوات طويلة حاول الإنسان الاستفادة منها لخدمة البشرية حيث تعتبر الكابلات البحرية أحد أهم وسائل الاتصالات التي تربط دول العالم حيث توفر السرعة والمرونة علاوة على الجودة في نقل مختلف اشارات الاتصالات والبيانات اضافة إلى مستقبلها في نقل البث التلفزيوني وجعل العالم قرية واحدة صغيرة. والكابلات البحرية عبارة عن أسلاك مغلفة بمادة عازلة تمنع تسرب التيارات المارة خلالها موضوعة في أعماق البحر وتقوم بنقل الاتصالات والبيانات، وعادة ما تصمم تلك الاسلاك وتصنع من مادة الألياف البصرية التي توفر قدرة أكبر في السرعة والأمن.
ظهرت فكرة الكابلات البحرية لأول مرة بشكل ملح مباشرة بعد أن قدم العالمان الانجليزيان وليامز كوك وويت ستون جهاز التلغراف في عام 1839، وبعد أن قام الرسام الأمريكي سامويل مورس باختراع جهاز التلغراف احادي السلك واجراء التجربة الأولى لاستخدام كابلاً بحرياً لنقل اشارات مورس عبر خليج نيويورك في عام 1842. ثم في خريف العام نفسه قام العالمان الانجليزيان بتجربة مماثلة في خليج سوانسي في غرب الجزيرة البريطانية على أمل أن يتمكنا من ربط ضفتي الاطلسي بأول كابل بحري إلا أن العائق في ذلك الوقت كان يتمثل في صعوبة الحفاظ على التيار داخل الاسلاك بسبب عدم كفاية عزلها، حتى جاء الوقت الذي قدم فيه جراح بريطاني هو وليام مونتغمري مادة غوتا بيرشا (Gutta Percha) وهي مادة صمغية تذاب بالحرارة تعرف إليها في سنغافورة أثناء خدمته في شركة الهند الشرقية البريطانية، حيث تم الاستفادة من تلك المادة في تصنيع عوازل الاسلاك للمحافظة على التيارات المارة خلالها.
لقد أسهمت تلك المحاولات في بلورة الفكر التجديدي الذي يتطلع لبناء منظومة متكاملة قادرة على توفير السرعة والمرونة والسهولة في نقل مختلف اشارات الاتصال اضافة إلى البيانات، لذلك فقد كان الظهور التجاري الأول لفكرة الربط بواسطة الكابلات البحرية المغمورة في العام 1850، أي بعد ثماني سنوات فقط من بدء المحاولات وذلك على يد الشركة الانجليزية الفرنسية للتلغراف حيث قامت الشركة بمد كابلاً بين بريطانيا وفرنسا عبر القناة الانجليزية، ثم ما لبثت بريطانيا أن قامت بعملية ربط أخرى مع ايرلندا في عام 1851 اتبعته بربط آخر عبر بحر الشمال مع هولندا، وكانت تلك انطلاقة جديدة نحو عالم الاتصالات العالمية. ففي العام 1858 انطلقت أول محاولة لربط القارة الأوروبية بالقارة الأمريكية عبر الكابلات البحرية إلا أنها لم تحظى بالنجاح، فظل المشروع قيد التجربة حتى العام 1865 عندما نجحت السفينة "Great Eastern" المخصصة لتمديد الكابلات البحرية بانهاء عملية وضع كابل المحيط الأطلسي الذي فتح آفاق الاتصالات بين القارتين، ثم لم ينقضي العام 1870 إلا والسفينة تحقق نجاحاً آخر بوضع كابل بحري يربط اليمن بالهند، لتصبح الهند مرتبطة بلندن مباشرة عبر عدد من الكابلات البحرية المغمورة.
وقد أسهم ربط الهند بالقارة الأوروبية في تعزيز التطلع نحو مد آفاق الاتصالات إلى مديات أبعد تصل إلى حدود شرق وأقصى القارة الآسيوية، فأصبحت الهند بذلك نقطة إلتقاء تنطلق منها كابلات ربط نحو عدد من الدول منها المملكة العربية السعودية، وعمان، ودبي، وسنغافورة، ثم انطلقت من شرق آسيا إلى استراليا وعبر المحيط الهادي إلى الشاطئ الغربي من الولايات المتحدة الأمريكية وذلك قبل أن يلج العالم إلى القرن العشرين.
مشكلة المسافات الطويلة
لقد ساعدت التطورات المتلاحقة والتقنيات الحديثة في توسيع دائرة استخدام الكابلات البحرية خاصة بعد أن توصل العلماء إلى الطرق الناجحة في المحافظة على كمية الطاقة المتحركة في داخل الاسلاك دون تسربها إلى الخارج، إلا أن المشكلة التي ظلت قائمة حتى عهود قريبة هي قدرة الطاقة على السفر إلى مسافات بعيدة خاصة بعد مد الكابلات عبر مسافات شاسعة. فعلى عكس التكنولوجيا الحديثة في عصرنا الحالي، لم تكن الكابلات في القرن التاسع عشر قادرة على استخدام مقويات الطاقة بل استعاضت عنها باستخدام محطات اعادة ارسال وذلك عن طريق استخدام كمية كبيرة من الطاقة بحيث تصبح قادرة على السفر إلى مسافات بعيدة والتغلب على أية مقاومة كهربائية. فخلال العام 1823 لاحظ العالم الانجليزي فرانسيس رولاندز بأن التيار المار في السلك المعزول يلاقي مقاومة كبيرة، ثم أثبت مايكل فارادي بالتجربة بأن التيار يلاقي مقاومة كبيرة عند وضع السلك في الماء، لذلك عمل جمهور العلماء على التغلب على مشكلة المقاومة للحصول على أفضل أداء لتلك الاسلاك وبالتالي الوصول إلى مسافات أكبر وسرعة عالية.
كابلات الاتصالات الهاتفية البحرية
لقد أضحت أول محاولة لتمديد كابلات بحرية خاصة بالنقل الهاتفي عام 1930 على الرغم من عدم نجاحها تحدياً كبيراً لشركات الاتصالات السلكية واللاسلكية التي ظلت تعمل تحت مظلة واحدة من أجل الوصول إلى وسيلة تساعد في تقليل تكلفة الاتصالات حول العالم، حتى جاء العام 1955 عندما تم وضع أول كابل بحري مغمور للاتصالات الهاتفية، وقد صمم هذا الكابل ليحتوي على سلك محوري وهو الاضافة الجديدة التي ساهمت في تغيير مفهوم صناعة الكابلات الخاصة بالنقل الهاتفي لتصبح هذه النوعية من الاتصالات على عتبة جديدة ستفتح للعالم آفاقاً أخرى.
الألياف البصرية
في عام 1980 تم تطوير مفهوم الألياف البصرية إلا أنها لم تدخل حيز التجربة إلا في عام 1988 لتقدم هذه النوعية من الكابلات نقلة جديدة في عالم الاتصالات وفرت السرعة بالدرجة الأولى والثبات في كمية الطاقة المنقولة اضافة إلى قدرتها على استيعاب كمية كبيرة من البيانات على اختلافها. وقد أصبحت هذه الكابلات محط اهتمام شركات الاتصالات ومطوريها خاصة مع الانتشار الواسع لشبكة الإنترنت التي أصبحت تعتمد عليها مختلف المجتمعات حول العالم لتسيير شئون أعمالها وأمورها الحياتية اليومية، فصارت تلك الكابلات تمثل عصباً هاماً في نقل الاتصالات والبيانات بشكل يختصر الوقت والمسافة ليغطي الكرة الأرضية بالكامل.
خارطة توضح مواقع كابلات الانترنت تحت البحار